إشراك مكونات النسيج الاجتماعي الليبي في مفاوضات السلام
تضمنت جلسات حلقة العمل التي جمعت بين قيادات قبلية ومجتمعية وعلماء دين من ليبيا ونخبة من صانعي السلام في الصومال، مناقشة الدروس المستفادة من فشل مفاوضات السلام الصومالية والتي أظهرت الحاجة إلى اشراك القيادات القبلية والمجتمعية والدينية في الجهود الرامية إلى حل الصراع.
حلقة عمل لصانعي السلام من الشخصيات المجتمعية والقيادات القبلية وعلماء الدين
عمان – 13 أبريل 2015
للمرة الأولى منذ اندلاع العنف المسلح في ليبيا، جمعت ورشة عمل عُقِدَت في العاصمة الأردنية عمّان بين رجال الدين والقيادات القبلية والاجتماعية البارزة في ليبيا مع وفد من الخبراء الصوماليين من صانعي السلام التقليديين للتعريف بتجاربهم التي خاضوها عبر العديد من عمليات السلام.
وتم عقد الملتقى في الثامن والتاسع من شهر أبريل 2015، برعاية كل من شبكة صانعي السلام التقليديين (مبادرة عالمية مخصصة لتعزيز إشراك الشخصيات القبلية والدينية في عمليات السلام)، ومَجْمَع ليبيا للدراسات المتقدمة (مؤسسة أهلية ليبية مخصصة لبناء قدرات الكوادر الليبية).
وقد وَفَدَ المشاركون إلى حلقة العمل وهم على قناعة بأن مفتاح حل الصراع يتمثل في إشراك المواطنين الذين يمثلون الطيف والنسيج الاجتماعي للبلاد؛ من قبائل وعشائر ومجتمعات محلية جنبًا إلى جنب مع علماء الدين التقليديين.
وفي هذا الصدد يقول السيد/ علي حمودة الذي أدار وترأس جلسات النقاش، والذي يمثل مَجْمَع ليبيا للدراسات المتقدمة: «لقد عانت ليبيا والصومال من الصراعات الداخلية الكارثية التي قامت بسبب معتنقي وأتباع الفكر المتطرف العنيف»، واستطرد السيد/ حمودة قائلاً: «إن الطريقة الوحيدة لدحر قوى التطرف تتحقق من خلال الوصول إلى إجماع وطني، وفي المجتمعات التقليدية، مثل ليبيا، يتطلب الأمر تحقيق التوافق الوطني على مستوى نسيجنا الاجتماعي؛ عبر قبائلنا وعشائرنا ومجتمعاتنا المحلية والتي تمثل الهياكل الحقيقية للسلطة في البلاد، وأيضاً بحكمة ومعرفة علماء الدين التقليديين. ومع الإقرار بأوجه الاختلافات الكبيرة بين الصومال وليبيا كبلدين، إلا أنهما أُبتُلِيَا بحروبٍ أهلية وبتطرفٍ عقائدي شديد الوطأة. ولقد ظل زملاؤنا الصوماليون، وعلى مدار عقود طويلة، يتصدون لقضايا فض المنازعات وحل الصراعات في بلادهم؛ حيث أسهمت جهودهم مساهمة كبيرة في تحسين الحالة الاجتماعية والسياسية بالصومال. وإننا لنأمل أن نتواصل معهم ونتعرف على تجربتهم».
وقال السيد/ مهدي عبديلي: «لقد خاضَ المجتمع الدولي في الصومال خمس عشرة جولة فاشلة من مفاوضات السلام إلى أن أدرك حتمية وضرورة إشراك القيادات القبلية والمجتمعية لإنجاح تلك المفاوضات». واستطرد قائلاً: «إن اجتماع أمراء الحرب ورجال السياسة في الفنادق ذات الخمس نجوم بالدول المجاورة، من غير دعم من المجتمع المدني، لا يمكن أبدًا أن يحل النزاع بدون مشاركة فاعلة من الشبكات الاجتماعية الرسمية والدائمة بالمجتمع الصومالي. وهذا هو أحد الدروس المستفادة بحق، والذي ينبغي على القيادات الاجتماعية الليبية ومفاوضي السلام وضعه على مائدة النقاش».
لقد أدت جهود المشاركين الصوماليين إلى إقرار المصالحة على المستوى القبلي وبين العشائر المختلفة، مما أسهمَ في إقامة بنية سياسية انتقالية في الصومال. ولقد غطت جلسات حلقة العمل المواضيع ذات الصلة مثل البحث في جذور الصراعات، والنزاعات القبلية والمصالحة، والحوار مع الجماعات المسلحة، وإشراك القبائل في هياكل الدولة، ودور علماء الدين في حل الصراع. وفي حلقة النقاش أوضح نشطاء السلام الصوماليون كيف أن غياب مشاركة زعماء القبائل والمجتمع بعملية السلام الصومالية أدى إلى حدوث فشل متكرر.
ومن خلال الدروس المستفادة من التجربة الصومالية، يشجع المشاركون الليبيون مفاوضي السلام على بذل الجهود الحثيثة والمخلصة من أجل تطوير فهم أعمق ومشاركة أوسع للنسيج الاجتماعي الليبي. وهم يطالبون المجتمع الدولي بتمكين وإنجاح الجهود الصادقة التي ترمي إلى صنع وتحقيق السلام من خلال إشراك القطاعات التي تمثل النسيج الاجتماعي الليبي بالإضافة إلى الشباب والهيئات والمؤسسات الدينية التقليدية في ليبيا.
وقد حضر جلسات حلقة العمل مراقبون من كل من وحدة دعم جهود الوساطة التابعة للأمم المتحدة، ودائرة الشؤون السياسية التابعة للأمم المتحدة، والمجموعة الاستشارية للحوار، ومؤسسة آل البيت الملكية، وجامعة العلوم الإسلامية العالمية، ومركز الحوار الإنساني، وغيرها من الهيئات العاملة في مجالات بناء السلام.
مَجْمَع ليبيا للدراسات المتقدمة هو صرح علمي كبير في مجالات الاستشارات والتدريب والتعليم؛ حيث يتيح الفرص لليبيين للحصول على أحدث ما وصلَ إليه العلم في مجالات التعليم العالي والبحث العلمي والاستشارات وبرامج التدريب المهني. وقد تأسس المَجْمَع عام 2012، حيث يقدم البرامج والدورات التدريبية، والخدمات الاستشارية التي تتدرج من تقديم استشارات في جميع المناحي، وصولا إلى التعليم المهني وبرامج الحصول على الدرجات العلمية من أجل تحقيق الارتقاء المهني والشخصي للدارسين.
أما شبكة صانعي السلام التقليديين فهي مبادرة عالمية تأسست من أجل توفير الدعم العالمي للقواعد الشعبية لجهود السلام وبناء السلام الدولي. وقد خرجت الشبكة إلى حيز الوجود كتتويج لجهود خيّرة من التعاون بين كل من المؤسسة الخيرية الفنلندية ووحدة دعم جهود الوساطة التابعة للأمم المتحدة – دائرة الشؤون السياسية، وبرنامج الأمم المتحدة لتحالف الحضارات، ومنظمة التعاون الإسلامي، ومبادرة الأديان من أجل السلام، مع اضطلاع المؤسسة الخيرية الفنلندية بدور الأمانة العامة لشبكة صانعي السلام التقليديين. والهدف من الشبكة هو تحسين فعالية جهود السلام، والعمل على استدامة تلك الجهود من خلال تعضيد وتقوية أواصر التعاون والتآزر، وتعزيز الدور الإيجابي للمجتمعات المحلية ومكونات النسيج الاجتماعي في عمليات بناء السلام.