نظّم مجمع ليبيا للدراسات المتقدمة ورشة عمل على منصّة زوم، بعنوان: تحدّيات الأسرة في ليبيا، بمناسبة اليوم العربي للأسرة، 7 ديسمبر 2020.
أدرات اللقاء الدكتورة سالمة مسعود أستاذة علم الاجتماع التربوي بجامعة سرت.
وتحدّثت عن موضوع الورشة وأهمّيته، وأنه نتاج الوضع الراهن في ليبيا، الأسرة هي أساس في بناء المجتمع وهي الوعاء التربوي والثقافي الأول للأبناء، فإن كان الأساس قويا ضمن قيام البناء وديمومته وإن كان هشا كان مصير البناء الانهيار، ولا يخفى أن الأسرة تواجه كمَّا من التحديات التي تنأى بها عن أدوارها في هذا الزمن.
ونوّهت بدور النسيج الاجتماعي اللليبي، وأن الأسرة والدولة أدوارها متكاملة، فأي قصور أو غير استقرار في الدولة ينعكس بصورة مباشرة على الأسرة.
والاستفادة من الخبراء وإشراكهم في وضع حلول استراتيجية، لمواجهة التحديات والمشكلات، اجتماعية وسياسية وصحية، كل ذلك يحتاج لوقفة جادة من مؤسسات الدولة وزارة الشؤون الاجتماعية والمؤسسات التعليمية ومؤسسات المجتمع المدني، كيفية توجيه الأسرة للطريق الصحيح للتصدي لهذه التحديات بالطريقة الصحيحة لنصل ببر الأمان لأسرتنا الليبية.
تنقصنا الخطط التنموية الشاملة لكل قطاعات الدولة الليبية على المدى القريب أو على المدى البعيد، متابعة الأعمال والوصول إلى النتائج، وتأسفت لأن التوصيات والأعمال والدراسات التي يقوم بها المتخصّصون، بقيت في مكانها دون تفعيل!
ثم قدّمت الدكتورة سعاد الشتوي رئيس قسم علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة سرت، وعنوان مداخلتها: التداعيات الاجتماعية لجائحة كورونا على الأسرة الليبية.
وقسّمت التداعيات الاجتماعية إلى قسمين: الأول: ارتفاع معدلات العنف الأهلي داخل الأسرة، مما نتج عنها ارتفاع نسبة الطلاق، والثاني: التباعد الاجتماعي، مما سبب مشكلات أسرية متعددة، وأشارت إلى نسب ونتائج وإحصائيات ذات أهمية، كما مثّلت بأمثلة واقعية مجتمعيّة من المحيط، وأوصلت بمجموعة توصيات منها: زيادة وعي المجتمع بمخاطر وصم المصابين أو التعصب ضدهم، وتعزيز دور الأسرة في التعامل مع الظروف الحياتية الجديدة، ودعم وحماية الفئات الهشة من النساء والأطفال وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، وتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني، وأهمية الاعتناء بالعلاج الاجتماعي.
وجاءت مداخلة الأستاذة مريم اطبيقة أستاذة علم الاجتماع في جامعة سرت، مدير مؤسسة BRC العلمية والإنسانية، وعنوان مداخلتها: الأسرة الليبية بين التقاليد ومتطلبات الحداثة.
وحاولت أن تجيب عن تساؤل: هل يمكن مزج أو امتزاج التقاليد مع الحداثة لكي يسير الركب بكل انسجام؟ ، بعد أن عرّفت الأسرة ودورها وأهميّتها.
وذكرت أن دراسة حول الحداثة والمعضلة العائلية في أمريكا، تقول: أي ظروف تمنع الأسرة من أداء مهامها ستؤدي إلى مشكلات نفسية، وأنماط الحداثة له ضغط كبير على الأسرة.
تضارب الحداثة مع بعض التقاليد، جعل الأسرة تتعرض إلى مشكلات كثيرة، لها تداعياتها الخطيرة على المجتمع الليبي، وأشارت إلى نماذج مضيئة من التقاليد : التضامن – علاقات الجيرة – الأعراف الحسنة – الارتباط الروحي.
ثم أشارت إلى مستجدّات مثل: الاستقلال الاقتصادي الذي أوجد نوعا من التباعد، وأظهر الحاجة إلى التعليم، ومن نتائج التعليم حصول نوع من التغيير الإيجابي، لاسيما فيما يتعلق بالمرأة، حقوق العمل، العمل في أي مكان، الخروج من المنزل، ولكن شكل العلاقات وحميميتها تغيرت، الترابط تغيرت، هذا التفكك في الأسرة شيء غير إيجابي، أشكال أخرى من الاتصال جاءت على حساب التواصل الأسري، هناك صراع بين عقلية سائدة وعقلية وافدة جديدة، صراع مع الموروث الثقافي الموجود.
الغزو من وسائل الاتصال أدى إلى أن هناك شريك في التربية في المواقع أو مكونات المضامين التي تبثها وسائل التواصل والإعلام، وهذا خطر يهدد الأسرة.
من العلاج لبعض هذه المشكلات ضروة التنشئة القائمة على تنمية الفكر وتشخيص الواقع ومعرفة الخطأ من الصواب.
من المشكلات في المجتمع الليبي أننا نأخذ الامور ببساطة أكثر من اللازم، ولا نتفطن إلى أن الأجيال تغيرت والمجتمعات تغيرت وبالتالي القواعد القديمة في التعاطي مع الأبناء أصبحت غير مجدية.
من المشكلات اختيار الأسرة أزواجا لأبناءهم وبناتهم مبني على المصالح، الأساس لبناء أسرة تختفي فيها الأمور الإنسانية والأمور الحميمية، والفروع تقوم على الأساس، فإن لم توجد الأمور الإنسانية والمحبة منذ الأساس لن توجد في الفروع.
من المشكلات العلاقة بين الوالدين، والتي يكتسبها الأبناء من والديهم، هناك نكوس حضاري في تقدير الجنسين لبعضهما البعض، فعند تحليل ما ينشر على التواصل الاجتماعي وهو يعكس االمشكلات في المجتمع، نلحظ انعدام تقدير دور المرأة من قبل الرجل، وانعدام تقدير المرأة لما يقوم به الرجل! النقاش والحوار الأسري مفقود!
من المشكلات التفرقة والتمميز بين الأولاد والبنات، تخطئ البنت مصيبة كبرى، وخطأ الولد لا بأس به ولا إشكال! نوع نكوس حضاري!
إن الهوة والفجوة زادت حجما وزادت كبرا بحيث إن ردمها يحتاج إلى جهود من الدولة ومن المؤسسات المهتمة بالأسرة، لأن تبعات انهيار الأسرة ستصل إلى المجتمع الإنساني.
من المشكلات وجود التناقض بين الظاهر والخفي، في الظاهر نحن ناس أنقياء، وفي الخفاء نحن نفعل أشياء كثيرة لا نريد أن يرانا الناس نفعلها نخاف من مواجهة الواقع وثقافة المجتمع، نحن مجتمع خجول ونعظم التقاليد، ولكن لنا حياة نهواها ويريد الشباب عيشها، نتيجة هذا خلل في التنشئة ويخلق بيئة غير متزنة، تنقاض بين ما يصرح به ويجاهرون به وبين ما يتم تبريره كقيم حداثة.
نفخر بهويتنا وانتمائنا وبلدنا وحياتنا، ونهوى الشكل الغربي ومهووسون به وننتقد كثير من عاداتنا وتقاليدنا، كل هذه نتيجة خلل في التعاطي مع تكوين عقلية الطفل، لا توجد مبادئ، ولا معرفة بأجوبة: نحن من ، ماذا نريد، وكيف نستطيع الوصول إلى ما نريد ؟!
هناك الكثير من القضايا التي تنتج نتيجة هذا التناقض، ومن المشاكل الخطيرة نتيجة التناقض انتشار تعاطي المخدرات الدعارة الانتحار الإرهاب التطرف الفكري الجريمة والتشهير والابتزاز واستغلال الاطفال، مشكلات كثيرة لا حصر لها.
وختمت مداخلتها بقولها: يجب أن نحسن التعاطي مع الحداثة لأجل أن نعيش حياة أفضل.
ثم مداخلة د.زهرة الهادي دغمان : مدير عام المرصد الليبي للأسرة، أستاذة علم الاجتماع، أخصائية اجتماعية بقسم الدراسات والتخطيط بصندوق التضامن الاجتماعي طرابلس، وعنوان مداخلتها: الدور التربوي للأسرة وتداخل الوسائط الأخرى وأثره على المجتمع.
افتتحت بأن التحديات التي تمر بها الأسرة الليبية : اجتماعية وفكرية وأمنية، نتيجة الأحداث التي حصلت في ليبيا طيلة السنوات الماضية.
ووجهت دعوة للمراكز البحثية على ضرورة القيام بدراسات بحثية حقيقية واقعية على المجتمع الليبي في هذا العقد، والتغيرات التي مرت به الأسرة الليبية، وآثار الحرب، والآثار الاجتماعية والثقافية، والظواهر الدينية، ومن ثم تحال إلى سياسات عمل تتبناها الحكومة في المستقبل، أما الوقت الحاضر فدور الحكومة غائب تماما.
إن تراجع قيم التدين والتآخي، والدور التربوي، نتيجة تغليب لغة العنف، لأن الحروب عادة لا تنتج إلا حروبا أسوأ وأدهى.
إن أسرة نازحة منذ 10 سنوات، كيف يمكن أن تنشئ أطفالا سالمين من الاضطرابات النفسية!، بسبب النزوح والحروب والقنابل وسوء الحالة الاقتصادية، فالوضع الاقتصادي للأسرة الليبية متنوّع، شح في السيولة وضعف في المرتبات، وعدم اهتمام بالمشروعات الصغرى ومشروعات الأسرة المنتجة، إن توفير بييئة جيدة لقيام الأسرة بوظيفيتها أمر مهم وواجب وطني وشرعي ودوليّ.
إن تشخيص هذه الظواهر والتحديات مهم، ونحن لا نملك أرقاما حقيقية نتكّلم عنها ونحوّلها إلى مؤشرات وسياسات عامة تتبناها الدولة عند قيامها، وهذا أمر ضروري جدّا
إن الأسرة الليبية الآن في منحى خطر، وخطورة هذه المرحلة وخطورة الآثار والمشاكل التي تعيشها الأسرة الليبية، وما يترتب على ذلك من خلق مجتمع مشوه، وما لهذا من تداعيات اقتصادية وفكرية وأمنية، مثل خطف الأطفال، والابتزاز المالي، وسوء معاملة المرأة.
يجب أن نتحدث عن دور الأسرة العاجزة الآن، التي لا تستطيع أن تطعم أبنائها أو إرسالها إلى المدارس، المؤشرات خطيرة، والآثار ليست بسيطة.
ثم كانت مداخلة د.علي عبد العزيز مناع أستاذ بجامعة سرت: وهي تعقيبٌ على المداخلات السابقة، ومما جاء فيها:
إن مشكلاتنا الأسرية متشابهة تماما، بناء على ما اعتدناه، ففي السابق ثقافة البيت والمدرسة والشارع والمحيط نفس القيم ونفس الدائرة من القيم،والتأثر بالثقافات لم يكن تأثرت تعسفيا، بل كان يتم بشكل إيجابي في إطار تطور الثقافة بكل أمة، فكانت العملية جدا إنسانية، ولهذا كان العمل يسير بشكل طبيعي.
في السابق الاستعمار كان للأرض والخيرات، وكانت الثقافة قوية فحصلت المقاومة، والاستعمار كان ماديا أكثر منه شيئت آخر، اليوم مع ثقافة العولمة أصبح الفرد داخل الأسرة غير موجود فيها!
هذه العولمة غزو جديد، تستهدف الفرد والثقافة والإنسان والهوية، وبالتالي الأمم التي ليست لديها ثقافة قادرة على المقاومة ستقع في مهاوي كبيرة، ونحن نفتقر لوسائل المقاومة.
لقد أصبح الطفل أصبح يرى كل شيء بالصورة والصوت مهما كان ممنوعا أو محرما أو مؤذيا، لا يحتاج إلى ترجمة أو لغات لفهم ذلك.
الناس اليوم بجانب بعضهم، وليسو مع بعضهم، فمجتمعاتنا مهددة في هويتها، إن لم تكن لها قوة تصبح بها شريكة ستذوب!
وهذا لا يعني الانكفاء على الذات، بل علينا أن نفكّر في بناء أنفسنا ثقافيا ومعرفيا، لنصبح شركاء في هذا العالم، وإن لم نكن كذلك سنذوب في هذا العالم!
وكانت مداخلة الصحفي ادريس احميد من مدينة سبها: مجتمعنا غابت عنه عن أخلاقيات مهمة، وظهرت سلوكيات غير جيدة، وانتشار أخبار الحرب والتضليل، أغلب وسائل الإعلام منصرفة عن مشكلات المجتمع، وكذلك وسائل التواصل الاجتماعي، والدراسات بعيدة عن الواقع غالبا، ووجود مخاطر تهدد المجتمع، ومنها السلبية، وانفراط عقد الدولة، وانهيار المؤسسات، علينا أولا أن نبحث عن الاستقرار، نتوجه للمجتمع وللجهات المسؤولة بهذه الورشة، يجب أن نستنهض الهمم.
وختم اللقاء بضرورة عقد لقاءات أخرى وعصف ذهني، وضرورة وجود مشروعات عملية وتدريبية وتوعوية وتربوية، ومسوح بيانيّة، وتواصل إعلامي وعمل حكومي ومؤسساتي ومدني لأجل الأسرة ولأجل الأبناء ولأجل المجتمع.
يمكنكم مشاهدة اللقاء كاملا من هنا.