أعلام من ليبيا
العلَّامة الدكتور: إدريس فضيل سعد الحدَّاد
نائب رئيس رابطة علماء ليبيا.
وُلد في قرية جَرْدَس جنوبيَّ الجبل الأخضر، عام 1939، درس في مدرسة الميدان بالبيضاء، ومدرسة الفايديَّة، ثمَّ انتظم في المعهد الدينيِّ بالزاوية البيضاء منذ عام 1953 حتَّى تخرَّج في كلِّيَّة اللغة العربيَّة بجامعة السيِّد محمَّد بن عليٍّ السنوسيِّ الإسلاميَّة عام 1966.
عُيِّن مدرِّسًا في المعاهد الدينيَّة، ثمَّ المدارس الإعداديَّة والثانويَّة، ثمَّ عُيِّن عام 1972 معيدًا بكلِّيَّة اللغة العربيَّة، أوفد على إثرها للدراسة في الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة، فتحصَّل على الماجستير في لغات وثقافات الشرق الأوسط من جامعة كالفورنيا عام 1976، ثمَّ نال درجة الدكتوراه في الأدب العربيِّ من جامعة الخرطوم عام 1998، وكان موضوع الأطروحة (الصورة الفنِّيَّة في شعر ابن الروميِّ).
لا نبالغ إذا قلنا إنَّه باعث الدراسات اللغويَّة والشرعيَّة في مدينة البيضاء، فبعد إلغاء الجامعة الإسلاميَّة والمعاهد الدينيَّة، أسَّس قسم اللغة العربيَّة بجامعة عُمر المختار عام 1989، وعلى هذا القسم أسِّست كلِّيَّة الآداب، كما شارك في تأسيس قسم الدراسات الإسلاميَّة عام 2006، وأسَّس المعهد العالي للإمامة والخطابة عام 2000، الذي تحوَّل إلى المعهد العالي للعلوم الشرعيَّة، ثمَّ إلى كلِّيَّة الدراسات الإسلاميَّة، ثمَّ إلى جامعة السيِّد محمَّد بن عليٍّ السنوسيِّ الإسلاميَّة.
تميَّز بحضوره الفاعل في كلِّ ميادين العطاء الفكريِّ والثقافِيِّ، معلِّمًا، وموجِّهًا، ثمَّ أستاذًا جامعيًّا يمسك بالعلوم الأدبيَّة واللغويَّة جميعِها في قبضة واحدة، وإن سألت عن علوم الشريعة فهو أستاذ الخطابة، والتفسير، وهو عضو لجنة الإفتاء، ولا عجب، فهو أحد أنجب الطلَّاب الذين أنجبتهم المعاهد الدينيَّة والجامعة الإسلاميَّة.
كما أنَّه يبرز من خلال أحاديثه ومقالاته ومؤلَّفاته مؤرِّخًا للمرحلة التي عاش فيها، وموثِّقًا لكثير من الوقائع والأحداث، ومترجمًا لعديد الأعلام والشخصيَّات، وماذا عساك أن تقرأ إذا اجتمعت دقَّة الملاحظة، وحدَّة الذاكرة، وبلاغة القلم، وجزالة الأسلوب؛ فهو كاتب ذو قلم سيَّال، وخطيب مِصْقَع تنطلق كلماته فصيحة تطرق الأسماع واضحة قويَّة، هذا إلى أنَّه يجيد اللغة الإنجليزيَّة قراءة وكتابة.
ترك تراثًا أدبيًّا وتاريخيًّا زاخرًا؛ ففي البلاغة والأدب: راجع ديوان شاعر الجبل الأخضر حسين الأحلافِيِّ وقدَّم له، وكتب عن الشاعر الشعبيّ جعفر الحبُّونِيّ دراسةً في حياته وشعره، وكتب عن أحمد شوقي الشعر والشاعر، كما كتب مذكِّرات موجزة عن الأدب في العصر العبَّاسيِّ، وهو كتاب منهجيٌّ يدرَّس في القسم.
وممَّا لم ينشر بعد: الصورة الفنِّيَّة في شعر ابن الروميِّ، اقرأ لتكتب (مجموعة مقالات اختارها وقدَّم لها)، نظرات في شعر أبي سيف مقرِّب، منتهى الإيجاز في قضية الإعجاز، دروس في البلاغة، ومحاضرات في الأدب القديم.
كما أنَّه كتب مؤلَّفات ربطت اللاحقين بالسابقين، وحافظت على قدر كبير من تاريخ المنطقة وهويَّتها الثقافيَّة، فكان بذلك حلقة وصل بين الأجيال: ذكريات صبيانيَّة في قرية الفايديَّة (1950، 1951)، وشوي سهاري بين السيلس والأنصاري (1948-1952)، وأتمَّه ببقيَّة السهاري وأيَّام ضاري سمَّاه (حكايات بسيطة بين الجنيِّن وفرشيطة) وثَّق فيه (نشأة مدينة البيضاء، والجامعة الإسلاميَّة، والحركة الثقافيَّة فيها).
وممَّا كتبه في هذا الاتِّجاه، وطُبع بعد وفاته: من حكايات تكتانة، صفحات مطويَّة من تاريخ الجامعة الإسلاميَّة، وصفحات من تاريخ مسَّة بالاشتراك مع الراحل: د. صالح كمش، وله -أيضًا- مذكِّرات سياسيَّة ما تزال مخطوطة، بدأ في كتابتها منذ عام 1984 الذي هدمت فيه زاوية الجغبوب.
وفي تراجم الأعلام ترك مصنَّفات عدَّة، منها: كتاب عن المجاهد عبد الله بوسلُّوم، وآخر عن السنوسي ابريدان، وثالث عن حسين طاهر، وترجم لباقة مشكَّلة من بناة الوطن، حوالي 50 علمًا، كتبه بمشاركة د. صالح كمش، وممَّا لم يُنشر بعد: كتاب: رجال وأحداث.
وله -أيضًا- عدَّة مقالات وأبحاث نشرها تحت عنوان: مقالات متعدِّدة الاتِّجاهات. وله: محاضرات في مهارات الخطابة وأساليبها، ومحاضرات في أصول التفسير، لم تنشر بعد.
لقد أثرى الدكتور إدريس الحياة العلميَّة والثقافيَّة في محيطه الذي عاش فيه لمدَّة تزيد على نصف قرن، كان حافلًا بالمشاركات الفاعلة في أنشطة مدينة البيضاء، واحتفالاتها، ومناسباتها الاجتماعيَّة والدينيَّة والسياسيَّة، منذ أن كان طالبًا بالمرحلة الثانويَّة في خمسينيَّات القرن الماضي.
كما أنَّه عُرف بمواقفه الداعمة لثورة السابع عشر من فبراير، واشتهر بدعوته إلى المصالحة الوطنيَّة، ورأب الصدع، وإحلال السلام، وعُرف بمناهضته للفكر الدينيِّ المتطرِّف، ومواقفه الواضحة في دعم مؤسَّستي الجيش والشرطة.
توفِّي -رحمه الله- متأثِّرًا بإصابته بفيروس كورونا، ليلة الجمعة 29 أبريل 2021م.